الاقتصاد- مفتاح سوريا الجديدة وتوحيد السوريين نحو مستقبل مزدهر

المؤلف: عبداللطيف الضويحي09.26.2025
الاقتصاد- مفتاح سوريا الجديدة وتوحيد السوريين نحو مستقبل مزدهر

في خضم هذه المرحلة الدقيقة والملتهبة التي تمر بها سوريا، حيث تتصاعد الضغائن وتتفاقم النزاعات، وتشتد حدة الانقسامات الأيديولوجية والعرقية والدينية، وتتكالب قوى الاستعمار الغربي الصليبي الصهيوني على مقدرات سوريا والعالم العربي والإسلامي، عبر دعم جيش الاحتلال الإسرائيلي في تل أبيب للهيمنة على سوريا والمنطقة بأسرها، مع تجاهل ممنهج ومتعمد للقانون والمواثيق الدولية، يظل الخيار الاقتصادي هو الحل الأمثل والوحيد المتاح أمام سوريا الجديدة والسوريين الطامحين لمستقبل أفضل، للحفاظ على وحدة البلاد وضمان ازدهارها وتمكين أجيالها القادمة.

إن الاقتصاد يمثل بمثابة العصا السحرية القادرة على توحيد صفوف السوريين على اختلاف انتماءاتهم ومناطقهم، سواء كانوا من أهل الشام العريقة، أو من السويداء الأبية، أو من الساحل المزدهر، أو من الشرق والشمال والغرب السوري. فالازدهار الاقتصادي هو نقطة التقاء تجمع السوريين جميعاً، داخل البلاد وخارجها، وهو المحرك الذي أخرج ألمانيا من تحت الركام بعد الحرب العالمية، وهو ذاته الذي انتشل اليابان من براثن الدمار والخراب.

وعلى الرغم من أن البعض يرى أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، إلا أن السياسة غالباً ما ترتكز على الاختلاف والتنازع والتشتت، بينما يرتكز الاقتصاد بشكل أساسي على التنافس الشريف المدفوع بالاستقرار والأمن والعيش الكريم، والمصالح المتبادلة التي تجمع كافة الأطراف المعنية.

إن أعظم الإنجازات التي حققتها سوريا والسوريون خلال السنوات العشر الماضية يتمثل في التراكم الهائل للخبرات والكفاءات البشرية، الذي اكتسبه السوريون نتيجة لجوء وهجرة أعداد كبيرة منهم إلى دول مختلفة حول العالم، مما أتاح لهم فرصاً فريدة لخوض تجارب متنوعة واكتساب مهارات جديدة.

هؤلاء السوريون المهرة والمتخصصون لن يتخلوا على الأرجح عن الفرص المتاحة لهم في بلاد اللجوء والمهجر، ويعودوا إلى سوريا قبل أن يتحقق الأمن والاستقرار المنشود في كافة ربوع البلاد، وقبل أن يشهد الاقتصاد السوري انتعاشاً وازدهاراً ملحوظاً، وهذا ليس ضرباً من الخيال، فالشعب السوري شعب عريق متجذر في الحضارة، ومشهود له بروحه الوثابة وإصراره على العمل في مختلف المجالات، سواء في التجارة أو الصناعة أو الزراعة.

إن الاقتصاد هو المفتاح السري لتوحيد السوريين، فغالبية السوريين الذين لم يتمكنوا من مغادرة البلاد يعانون من وطأة الفقر المدقع، فبحسب تقرير البنك الدولي لعام 2024، يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، بينما يعاني 27% منهم، أي ما يعادل 5.7 مليون نسمة، من فقر مدقع. أما البطالة، فتتجاوز 37% في عام 2024، وقد تصل في بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلى 88.82%.

وإذا ما أردنا تنحية الخلافات السياسية والطائفية جانباً، فيمكن القول بأن الاقتصاد يوحد القلوب ويوثق الروابط، بينما الإعلام قد يساهم في نشر الفرقة والانقسام، فالصورة القاتمة التي يرسمها الإعلام عن سوريا غالباً ما تركز على الحالات الشاذة والنادرة التي لا تمثل الواقع الحقيقي، أما الاقتصاد، الذي يمس حياة الغالبية العظمى من السوريين، فهو عكس ذلك تماماً، لأنه القاعدة وليس الاستثناء، ولأنه يعمل مع الأغلبية الساحقة وليس مع الظواهر النادرة والشاذة.

إن سوريا، بما حباها الله من ثروات طبيعية وموارد بشرية هائلة، وبما تمتلكه من إرث حضاري عظيم وتاريخ مجيد، لا تحتاج إلا إلى قيادة حكيمة تضع رؤية اقتصادية شاملة وطموحة، تمتد حتى عام 2034 أو 2050، وتحدد أهدافاً واقعية قابلة للتحقيق، تأخذ في الاعتبار توظيف نقاط قوة سوريا والسوريين، وتعزيز نقاط ضعفهم، وتأجيل القضايا الشائكة التي يصعب حلها في الوقت الراهن، مع إبقاء الباب مفتوحاً لحوار وطني بنّاء يهدف إلى استعادة الثقة بين كافة الأطياف السورية، وتمكين الآليات الاقتصادية من العمل في بيئة صحية تشجع على التنافس والنجاح والابتكار والإبداع.

إن الغالبية الساحقة من السوريين متفقون على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، لأنهم لا يريدون أن يكونوا جزءاً من الصراعات التي شهدتها البلاد، ولأنهم يئنون تحت وطأة الفقر والحاجة، وكل ما يطمحون إليه هو العيش بكرامة. ومن هنا، يمكن الانطلاق من هذه القاعدة الصلبة والشروع في تبني رؤية سورية واضحة المعالم، مع أهداف واقعية تأخذ في الحسبان توظيف نقاط قوة سوريا والسوريين، ومعالجة نقاط ضعفهم، وتأجيل الخلافات التي لا يمكن حلها في الوقت الحالي، فما يعجز الحوار والمفاوضات عن تحقيقه، قد يتمكن الاقتصاد من إنجازه، فالسوق الاقتصادي هو فضاء للتعاون والتكامل، وليس مجرد ساحة للصراع والتنافس.

أخيراً، إذا كانت سوريا الجديدة تسعى إلى تحقيق الازدهار والتقدم، فلا بد لها من دراسة التجارب الناجحة للدول الأخرى، مثل تجربة اليابان وألمانيا وجنوب أفريقيا ورواندا، والاقتداء بها في مسيرتها نحو بناء مستقبل مشرق ومزدهر.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة